فلســــــــفة الوداع
نودع صديقا فنفتقده ، و نفقد قريبا فنشيعه ، لكننا على مرور الأيام
والشهور والسنين نستحضر ذكرياته معنا فنراها جلية واضحة بكل تفاصيلها أمام
أعيننا ، وكأن الزمن قد عاد لكن معه الحسرة ومواكب الدموع ، وتمر لحظات
ونعود ثانية إلى تيار الحياة بكل رتابته وسآمته .. لكن تبقى في
الذاكرة أصداء الذكريات ، نعيشا ونحنّ إليها ، وتصفو بها عواطفنا التى كانت
تعاني من صدأ أيامنا ورحيل
كثير من أخلاقنا والتخلي عن جميل مبادئنا . نودع ، ونحزن ، وننسى ، ثم نأسى
على ما فات من أحلامنا ... إنها فلسفة الوداع !!
وقد ألقيت قصيدتي هذه في وداع مدير للمدرسة الثانوية بقريتنا برمبال كان
مشهودا له بالكفاءة والخلق الطيب .
لمّـــا وقفت على الديار مودعـــا *** صـــرخ الفؤاد وغامت العينـــان
ورأيت نفسي في السطور تمائما *** أنشدت شجوي من لظي الأشجان
قل لي بربـــــك هل أودع مهجتي *** وأنا افتـــــقدت منابـع النسيان
أفلا ترى الوصل الذي ودعته *** جــرح القلوب وزاد بالكتمان
ســـنن الحيــــاة تقارب وتباعد*** يبقى التباعـد يشعل الوجدان
ومن العجـــائب أن تساوي لحـــظة * عمـــر الزمان الراحل المتفاني
ما عشـــت يطويه الزمان بومضة**من قد يقول دقائق وثواني ؟
في العلم نجحـد ما يلفّ حياتنا *** ســـــرّ العواطف ذا بلا برهـان
هل من دواعي العـــلم نحكم أننا ***عشنا الدقائق ؟ تحكم العينان
مَن قـــد يمرر لوحـــة منظـزرة * عن كل ما عشـناه في الريعــان
مَن قــد يجسّـــد في الخيـال فعـالنا **فكرالحكيم وثورة الغضبان
ومن الذي جعـــل الحديث مرجّــعا *** شــهدت بكل حروفه الأذنان
هذي الدقائق من غياهـــــــب *** تأتي كما تمضي بلا نقصــــان
قالوا الوصــال بقربناهذا هراء *** نارً الوصـال تزيد بالهجران
يا مَن بقلب شاعر عرف الوصـ **ل وللوصال حلاوة التحــــنان
كيف الســـــبيل لمثل ما فعل النوى ***أو من يخفف حرقة الأحـزان
أو من يخفف بالنـــــوى أشجانه ***ظلم النوى من سطوة السلطان
أنت الذي ملأ القلــــوب تسـامحا ***فغدت تطوفً بكعبـــــة الغفران
وغدوت ســـــــباقا لكل فضــــيلة ***فجزتك أرض العلم بالعــرفان
فإذا القلوب محبّـــــــة وســعادة***وإذا النفوس شقائق الريحـــان
إن القيادة حــــــــكمة ومـــــودة *** ورأيت فيك قيـادة الربان
البحر يهـــدر حوله متلاطما *** والريح تزأر والجميع يعاني
لكنما الربـــّــــان يعرف ربـّـه *** أفلا يعود السًّــــفن للشــــطآن
إن القلوب إذا ســـــــما إيمانها ***شـفّت فعاشت في ضـيا الرحمــن
إن أنت حولت الحيـــاةَ فضــــائلا ***تبقى الفضائل منبت الشــكران
ضلّ الذي ســـــــام النفوس تكبرا ***صنع التكبر عزلة الإنســــــان
الركب يرحــل في الليالي مودعا *** والنجم يرقب رحـــلة الأزمان
والمرء هذا في الحيـــاة نصيبه *** والحــكم طـوعَ إرادة المنان
ربّـــــاه ، هذي قســــــمة مكتــــوبة ***بعدالتجمـــع فـــرقة الخــــلان
ونعيش في الذكرى نهيم بحلمها *** حلم الشريد بجنة الرضوان
لولا التذكر ما يطيب مقامنا *** بين الرحيل وحيرة الإنســــان
محمود البسيوني ** يوليو 1990