[size=18]من إهداءات الأستاذ : أيمن محمد حسن الناغي نقلا عن جريدة " صوت المجلس الشعبي ببرمبال القديمة " العدد التاسع 1994 م .
مع ظهور هلال رمضان ، كانت قريتنا تعيش فرحة عارمة ، يعيشها الأطفال والرجال والنساء والأولاد والبنات ، يطوفون شوارع القرية يرددون الغناء و الأناشيد ، وتضاء المساجد بالفوانيس والكلوبات ، ويبدأ الناس في بناء أفران الكنافة علي نواصي الشوارع الكبيرة ، والنسوة في البيوت يبدأن في إعداد الفطير المشلتت والكشك وعجينة الكنافة ، وينشغل البعض في إعداد الجلباب الجديد والقبقاب الجديد .. فالعيد علي الأبواب .
منطقة البحر القديم والكوبري الخشب تبدو في أزهي صورها وكأنها كورنيش النيل ، رجال البلدة مجتمعون هناك ... التقينا ببعض أبناء بلدنا من شيوخنا الكبار في السن لنتعرف علي رمضان أيام زمان ....
سهرة بأمر العمدة :
قال الحاج ( حسن السقا ) النعانعة :
أول ما كان يميز رمضان زمان هي السهرات القرآنية والتي كانت منتشرة في بلدنا ، وفكرة السهرات في برمبال تبناها ( محمد بك سويلم ) عمدة برمبال والذي أمر كل العائلات الكبيرة في البلدة بإقامة مثل هذه السهرات ، حتي يظل القرآن يتلي ويقرأ في بلدنا طيلة الشهر الكريم .
كانت هناك سهرات كثيرة في القرية ولكن أهمها وأكبرها هي سهرة الحاج / توفيق أبو شتية ، وكان يحييها الشيخ / رفعت الجمل وبعده الشيخ / إبراهيم الشعشاعي .
وسهرة الحاج / أبو شتية وكان يحييها الشيخ / عدولة من القاهرة .
وسهرة الحاج / سويلم وكان يحييها الشيخ / حمدي الزامل القارئ الشهير بالإذاعة المصرية .
وسهرة الحاج / إبراهيم سويلم وكان يحييها الشيخ / خالد من بورسعيد .
كلها كانت سهرات كبيرة وبالميكروفونات إضافة إلي سهرات كثيرة أخري كانت تحول ليل القرية إلي عيد يومي " أفواج رايحة وأفواج جاية " ولا يمكن لمن عاش هذه الفترة أن ينس هذه السهرات أبدا .
الحب بين الناس :
ويقول الشيخ ( برهان أبو المعاطي ) الطحنة :
نعم كانت بلدتنا بها من 50 : 75 سهرة قرآنية كان يحييها 75 حافظ للقرآن من البلدة ومن البلاد المجاورة ، وكان هذا خيرا كبيرا في بلدتنا مما جعل لها شهرة كبيرة بين البلاد المجاورة ، كانت الناس تتزاور وتتلاقي ... كنت تجدا أفواجا خارجة من سهرة أبو سويلم لسهرة أبو شتية لسهرة أبو نعينع لسهرة المجاهدية لسهرة الحسامنة لسهرة أبو فراج لسهرة أبو إسماعيل لسهرة السعادنة لسهرة جنيدي .
كان هناك حب ومودة بين الناس ، حتي أن العمدة كان يزور السهرات مرتين في الشهر ليصرف لها التموين .
مصطبة رمضان :
ويقول الحاج ( أحمد أبو عوف ) الرياض :
قبل رمضان بفترة كنت تجد الناس تقوم ببناء مصطبة رمضان ، وهي مصطبة كنا نبنيها مخصوص لنجلس عليها في رمضان ، كنا نبنيها بالطين ونحصل عليه من أي مكان مهما كلفنا الأمر .
كان بناء المصطبة يعني أن رمضان علي الأبواب وكنا نلف البلدة من حتي الفجر ننتقل من سهرة إلي سهرة أخري ، نستمتع بشرب القرفة التي كانت تقدم في السهرات ثم نعود لنقضي بقية الليلة علي المصطبة ، نحكي ونضحك ونتسلي ونتسامر .
الزكاة علي ظهر الحمير :
أكد لنا كل من قابلناه علي أن شهر رمضان كان شهر التنافس بين الناس في الخيرات ، سمعنا أن الزكاة كانت تخرج من بيت الحاج / توفيق أبو شتية علي ظهور عدد يتراوح ما بين 40 : 50 حمارا ، محملة بالأرز والقمح والذرة وخلافه من الخيرات لتوزع علي من يستحقها ليلا .
وسمعنا أنه كان يحضر طباخا مخصوصا لإعداد الطعام والحلويات ، وكان لابد من أن يتأكد بنفسه من كل حاجة سيأكل منها الفقير .
أكد لنا هذا الكلام الحاج / محمد إبراهيم الناغي ( الصوابر ) .. وأضاف أن القادرين كانوا يعدون أطعمة للفقراء .. وكل قادر يطعم عددا من الفقراء وكان هناك منادي ينادي في الشوارع " يا جوعان يا عطشان الأكل اليوم عند فلان " .
ويضيف الحاج / المصري محمد المصري ( الرياض ) :
نعم كان القادر يقف أمام بيته قبل المغرب أو يخرج علي البحر ليأخذ من يريد أن يفطر وكانت هذه روح طيبة كانت موجودة ، لأن الناس كانت غلابة والفقراء كثيرون ، وكانت الناس تبقي من السنة إلي السنة لا تأكل اللحم لأن الأوقية كانت بستة صاغ .
المسحراتي :
أما بالنسبة للمسحراتي والكلام للشيخ " برهان أبو المعاطي " فكان علي علم بمديح الرسول ( ص ) وكان يردد تواشيحا وأناشيدا لها معني ، وكنا نخرج ونسير وراءه نستمتع بما يقول ، بينما مسحراتي اليوم فهذا كلام فاضي لا أعده ولا أعتبره مسحراتي .
فين أيام الشيخ " سعيد أبو محمد " والشيخ " جاد أبو إبراهيم " في حارة " الطحنة " ، والشيخ " عبده أبو سليمان " في حارة " الهدة " والشيخ " حافظ أبو عمر " والشيخ " المتولي أبو اسماعيل " في " النعانعة " والشيخ " علي أبو يوسف " في " الصوابر " .. كان الواحد منهم مسحراتي بحق وحقيقي .
حكايات وحواديت :
[size=18]ويضيف الشيخ " أحمد إبراهيم رمضان " الرياض :
مسحراتي اليوم لا مديح ولا إنشاد ولا تواشيح ، كل ما يفعله يخبط جري في جري وخلاص ، وقال عن أبرز مميزات رمضان زمان " أننا كنا نسهر ونقضي الوقت في كلام مفيد عن الأرض ومشاكلنا ومواقف صعبة قابلتنا ، ونحكي حكايات عن الأبطال والشجعان ، كنا نصلي كل الفروض ، وفي الفجر نعين واحدا منا يقوم بإيقاظ الجميع لصلاة الفجر .
أما اليوم فهناك شباب متعلم ولا يصلي شباب ( .........) لا يصلي في رمضان ولا في غير رمضان ، ومعظمه يقضي يومه طوال الليل يبحلق في التليفزيون ، ووالله العظيم لو عندي تليفزيون لكنت كسرته ميت حتة .
الفـانـــــــــــوس :
كانت أتعس وأسوا لحظة زمان كما يقول الحاج " حسن السقا "... ساعة أن تقفل السهرات أبوابها ، لأنه بمجرد انتهاء السهرات ، تتحول الشوارع إلي ظلام دامس وهدوء مخيف وسكون كئيب ، فلا كهرباء ولا تليفزيونات ولا راديوهات ، ولا أي وسيلة تسلية أخري ، وكان معني هذا الحكم علينا بالنوم مبكرا ، ومن هنا جاءت أهمية الفانوس .
فكان هو الأمل الوحيد الذي يمكن أن يجمعنا للسهر والسمر ، وكان هناك عرف بين الجيران علي أن تتبني إضاءة الشوارع ، عن طريق الفانوس ، وكل عائلة عليها أن تتولي ذلك الأمر أسبوعا ، وكان هذا الأمر يتابع من قبل العمدة ، فكان الخفير ينادي كل ليلة علي من عليهم إضاءة الفانوس ، وبعد ذلك استمرت إضاءة الشوارع بالفانوس في رمضان وفي غير رمضان .
قلوب طيبة :
وعن الصلاة والمصلين :
يقول الحاج " التهامي الصعيدي " ... صحيح كان هناك صلاة ومصليين ، لكن العدد كان قليلا ، بعكس اليوم فالوعي الديني انتشر بصورة ظاهرة بين الناس عامة وبين الشباب بصفة خاصة في هذه الأيام ، بعكس زمان ولكن ناس زمان كانت قلوبها طيبة وعلي الفطرة .
علمــــاء بلدنا :
كانت المساجد تضاء بالفوانيس والكلوبات ، وكان الناس يتجمعون كل ليلة حول العلماء ، يستمعون للدروس الرمضانية من علماء أفاضل .
ففي مسجد " الصوابر " كان هناك الشيخ " أحمد التهامي " والشيخ " صالح " والشيخ " عبد الحكيم " من " دكرنس " ... وفي مسجد " الطحنة " الشيخ " حسن البنا " من " المنزلة " .... وفي مسجد " النعانعة " الشيخ " أحمد أبو زيد " ... وفي " الرياض " الشيخ " سعيد أبو شعيب " والشيخ " حسن أبو السيد " .
وظهر بعد ذلك جيل من المتعلمين أمثال .. الأستاذ " محمد سيد أحمد جنيدي " والأستاذ " محمد حماد " .
ومن جيل لجيل .. تموت كل الأشياء .. وتبقي العبر والذكريات .. وتبقي حكايات كثيرة اسمها .. حكايات أيام زمان .
( انتهي هنا ذلك التحقيق الذي أعده الأستاذين : أيمن الناغي & حسام شمس الدين )
تلك كانت بعض حكايات قريتنا .. انتهت تلك الصفحة منها ولم ينته فصل واحد من كتاب قريتنا ... تلك القرية الرائعة ... تلك القرية العظيمة ..... برمبال القديمة .