| موضوع: الطــــــــــــريق ___________ ( مقــــال أدبىّ أعــــتزّ به ) . الأحد أبريل 08, 2012 11:53 am |
| الطــــــــــــــــــــــريق
( مقال أدبى )
هذا الطريق المعهـــود الذى ألفَ خطواتنا الرتيبة المبعثرة ، كيف أنســـــــــاه ؟! أحسّ نسماته النـــديّــة ، وأراه وهو يســــتيقظ فى هــــدوء مع أشــــعّـــة الشمس الدافئـــة كل صـــباح . الأشـــجار المتراصّـــة على جانب واحــــد منه ، تســــكت كثيرا ، و تتهـــامس قليلا .. لا تقترب منها الرياح إلا بدخول الربيع أو عندما يزورها الشـــــتاء . إن أنس لا أنس هذا المجهـــول الصـــامت الذى يرقـــد بعيدا خلف هذه الأشجار ، لا يقطعه إلا نباح كلب أو كلاب عندما يجنّ الليل ، فلا يكاد يسمع الطريق إلا وقع أقدامنا قافلين . ينتظـــم الإحساس بالرهبـــة ، ويسود السكون مخليا مكانه لشطحات الخيال القاسى حيث ينعزل كل منا ليركن إلى عالمه ولو للحظات . ثم يعلو من بعيد خلف هذا المجهول نباح الكلاب الطيبة . ومن بعيد يتلألأ الضوء كأقمار لاحت فى سماء مساكننا المنعزلة الهادئة . أحببت بها العزلة ، وملت إليها ، كانت مرتعا خصبا لشريط الذكريات المًلحّ .. وتيار الإحساس المتدفق . عشت بها سنينا لا أذكر أطالت أم قصرت ، فهى متراقصة بين هذا وذاك ، لا أدركها إلا بإحسا ســى المتموّج المضطرب ، فالزمن إحســاس يمحو كل مقاييس البشر المعروفة . وكان الطريق طويلا .. هكذا قالت لى خطواتى .. لكننى مع ذلك كنت أحسّ بانتعاش شـــديد وأنا أقطع الطريق إلى المدرســـة ، والمدرســـة عالم زاخـــر بالعمل المحبب ، والضحـــكات الصــافية ، والوقت المســـروق . لا أنسى هذه المســـاحة الخضـــراء التى تزيّن مدخل المدرسة ، أسمع تغريـــد عصـــافيرها الآن وهى تغنى للزهور وتغنى للصـــباح ، وتغنى للأمل النـــدىّ . كانت الحـــديقة قليلة الزهـــور ، ومع قـلتــها كنت لا أنسى بها هذه الزهرة الحمراء التى أراها دائما تنزوى فى ركن منها مهــتزّة متمايلة ضــاحكة مع كل صبــــاح . كم حدثتنى نفسى أن أحــاورها ، لكننى كنت أشفق على نفسـى وعليــها .. أخشــى أن تصــبح جزءا من مشــاعرى ولهيبـــا ى شـــريط الذكريات . هــكذا تركتهــا إلا من خيالى .. دون أن أقترب منها . ومرت شــهور قلائل ، واخـــتفت الزهـــرة .. فلم أرَ مكانها بعد ذلك إلا غصـــنا جــريحــا ينزف ألما وحســـرة. كان ذلك يؤذن بالرحيــــل .. وما أقســـــاه ! الناس تختلف فى فهــمها للحيـــاة .. أحيــــانا يســـتريحـــون للرحيــــل ، ويرون أنه نهـــاية لآلامهم وغربتهـــــم النفســــيّــة التى أذاقتهم كثيرا من تبـاريح الزمن . أما أنا ، فلا أعرف للدنيا راحـــة . فالآلام يصــنعها حـــاضر مألوف مملّ ، وعندما تتوارىا الأيام ، تتبدل الآلام ذكريات نتحــسّـر عليها ، ونتشـــــوق لها ونجـــترّ رحـــيق أفحــوانها ، ونعيش فيها . أيوجـــد فى حياتنا آلام ؟ وإن وجـــدت هل تفضى إلى دهليز الســعادة ، أم كهوف الشـــــقاء وســـراديبه ؟؟ أنا أحسّ أن آلام اليوم هى ســـعادة الغــد .. وأن الذكريات هى الآلام المحببة فى قلب الإنســـان ، فهى لا تعترف بالزمن المعهـــود ، ولا تحـــدّها حـــدود المألوف .. هى عالم يسكن قلب الإنسان ، قد يواريه الواقع لكنه لايسيطر عليه فسرعان ما تطلّ عليه ذكرياته تعيـــده إلى ماضيــه فلا يتركه خاليا من الحســرة .. والشوق.. واللهيب . ونمضى مع الطــــريق .. ليتـقـــدم العمر.. ويبقى الطريق . فإذا حيـــاتنا حشـــد من الذكريات .. وزحـــام من التحــســر .. ودموع صامتة .. وآلام وآمال . ها هو ذا الرحيــل قد خيّم علينا ، وبعد أيام ســـأموت من صـــبراتة ، فصــورتى سترحل من عيونها إلى الأبد لكنها ســــتبقى فى شريط الذكريات ، وفى كل مكان فيها ، وفى قلوب كثير ممن أحببتهم هناك . ويصبح بذلك للرحيل معنى من أقسى المعانى . يصبح الرحيل موتا إلا من حياة الذكريات، فإذا بالإنسان يحيا ويموت فى آن واحد .. بل ويموت مرتين أو ثلاثا ، أو أكثر من ذلك أو أقلّ . وأعود أقول : هل يخفف الرحيل من آلام الإنسان ؟ لكن كيف ؟ وهو يرحل بالماضى يطوى صورته فى عينيه ، وأصــواته فى أذنه ، وشـــريط ذكرياته فى قلبه !! إنه الخلود المعذب .. داخل العمر المحـــدد . هــــكذا أنت أيـــــها الرحيـــــــل !!
23 من مايو 1984_______ مدينة صـــبراتة .. ليبيــــا . محمــــــــــــــــــــــود البســــــــــــــــــيونى
عدل سابقا من قبل محمود البسيونى في الثلاثاء أبريل 10, 2012 8:30 pm عدل 4 مرات |
|
| موضوع: رد: الطــــــــــــريق ___________ ( مقــــال أدبىّ أعــــتزّ به ) . الأحد أبريل 08, 2012 8:25 pm |
| أسـتاذنا الفاضل ، وأخي الكريم مــحـــمــــود الــبـــســـيــونــــي عندما أقرأ موضوع ، تستثيرني القراءة إما بالسلب أو الإيجاب عندما يكون بالسلب ..... فلا تعليق فإن كان بالإيجاب ، يكون رد الفعل التفاعل مع الموضوع ولكن المُثير للدهشة هو عندما يكون رد الفعل بالرغم من الإعجاب هو ... الصمت ،،،،، وهذا لا يحدث الا عندما يكون الموضوع بتميزه أقوي وأروع من أي ردود أفعال أو تفاعل ، لذا وبكل خجل أقدم لك صمتي إعجاباً بروعة العرض الأدبي الشيق
فتقبل صمت إعجابي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
|
|
| موضوع: رد: الطــــــــــــريق ___________ ( مقــــال أدبىّ أعــــتزّ به ) . الإثنين أبريل 09, 2012 1:09 pm |
| الســـيدة الفاضلة / فاطمة نشكر لك صمتك فهو ناطق قوى بمدى الإعجاب بمقالى .. وفى كثير من الأحيان يعبر الصمت فعلا عما لا يستطيع اللسان الناطق التعبير عنه . وفى صمتك من البلاغة ما لا أستحقه ، ولكنه ذوقك الرفيع ، وبلاغتك المعهودة . وتذوقك الأدبى العالى .
أنا شخصيا لا أقيس أعمالى بمقياس واحد ، ولكنها درجات من المعايشة قد تعلو فتصبح جزءا من حياتى ومكوناتى ، وقد يكون بعضها أقل دفئا ومعايشة ، لكنهم فى النهاية أبنائى .
الأعمال العظيمة انتقاء من الواقع ، والخيال الصافى ، والفكر الخصب ، مع سموّ الهدف وقيمته .
أشكر لك تعليقك الناطق المعبر عن اللغة الرفيعة ، لغة الصمت .
عدل سابقا من قبل محمود البسيونى في الثلاثاء أبريل 10, 2012 8:32 pm عدل 1 مرات |
|
| موضوع: رد: الطــــــــــــريق ___________ ( مقــــال أدبىّ أعــــتزّ به ) . الإثنين أبريل 09, 2012 2:07 pm |
| أستاذ محمود : حقيقة أقول فمنذ أن عودت نفسى وعقلى وقلبى على قطف أزهارك من بساتين أحرفك التى تخلق لوناً من التميز فتكشف دائماً عن قدرتك على الإبداع والتوهج لتنتهى بالتأكيد على عظمة الاحق فى إستخدام ألوان الذاكرة ، المعنى الواضح ، والكنوز التى بين السطور تعفينى إلى حد كبير من ضرورة التقييم بل وصعوبتة أحياناً باقة من أزهار التوليب أضعها فى بريدك وبين يديك علها عنوان ورسول للحب والإحترام الذى أكنة لك ( محمد الحداد _ الامارات _ دبى ) ا
|
|
| موضوع: رد: الطــــــــــــريق ___________ ( مقــــال أدبىّ أعــــتزّ به ) . الثلاثاء أبريل 10, 2012 8:46 pm |
| عزيزى المهندس / محمد الحداد --------------------
تحياتى وحبى واعتزازى
وأنا أيضا أبادلك نفس المشاعر الصافية الدافئة ... وأحب أن أقرأ تعليقاتك فهى تنم عن إنسان ناقد متميز .. فتعليقاتك مرآة أرى فيها نفسى .. كما أنها تكشف عن حبك للأدب وتذوقك له .. فأشكر لك كل كلمة كتبتها بوحى من المعايشة والاندماج ووعى بالأفكار وظلالها النفسية .
مرة ثانية أشكر لك تواصلكم معنا .
|
|