شقاوة تلامذة
فى مدرسة المنزلة الثانوية كانت لنا حكايات وذكريات وشقاوات شبابية جميلة .. كانت أياما حلوة
رغم صعوبتها، لعلكم شاهدتم مدرسة المشاغبين التى يعتبرها البعض السبب فيما يحدث وحدث فى
المدارس من شغب بعد تقليد نجوم المسرحية ، ولكنه التطور الطبيعى للأجيال كما هو التطور الطبيعى
للحاجة الساقعة ، كان زميلنا شكرى من الجمالية هو بطل الشقاوة فى الفصل الملاصق لفصلى كان خفيف
الظل والحركة ، نحيفا طويلا أهًله ذلك ليكون ضمن فريق كرة السلة بالمدرسة وكنت أنا لاعبا فى فريق كرة القدم وتنس الطاولة .
شكرى هذا كان يحضر معه إبرة وفتله من النوع الكبير كالتى نراها عند المنجدين وبقوم بخياطة زملاء
الفصل الموجودين أمامه ، وأحيانا كان يحضر نشا ويتركه على مقاعد زملائه فيلتصقوا بالمقاعد عند قيامهم ، كانت
له إبتكارات كثيرة فى الأذيه والحركات التى تضحك الزملاء على بعضهم البعض ، وكان رغم كل ذلك خفيف الظل .
ذات صباح جاء شكرى للمدرسه حاله يصعب على الكافر ، وجهه مشوها ذراعه معلقا فى رقبته برباط شاش ، الميكروكروم
يلطخ وجهه ، يعرج الى حد كبير لا يستطيع المشى وهو الذى كان يسابق الريح للحاق بالقطار من أمام المدرسة ، بصراحه
كان مكسور الجناح صوته خفيضا ونحن لم نتعود ذلك منه ، كان شكله لافتا للنظر ، سألناه إن كان قد وقع من القطار أو لعله
إصطدم بسيارة مسرعة أو لبس فى حائط ليلا فى الظلام فلم يرد ، كان منظره مثيرا للشفقة فنحن لم نتعوده على هذه الحالة
من السكون الإضطرارى ، كعادتنا رحنا نسأل جيرانه فى البلد من أصدقائنا الكل يتهرب من الإجابه غير أنه بالإلحاح
على زاهر صديقه وجاره كانت الإجابه !!
لقد تعود زميلنا أن يمشى ليلا فى ظلام الشوارع يتلصص على البيوت ، وقد ساعده ذلك أن معظم البيوت فى القرى دور
واحد وغرف النوم مكشوفة للمارة وخاصة فى الأيام شديدة الحرارة ، والنساء شبه عاريات ، أو يعشن لحظات حميمية مع
أزواجهن وكانت هذه للأسف عادته إلا أنه فى ذلك اليوم الذى تلقى علقة موت من خفراء البلد الذين راقبوه وعملوا عليه كماشة من كل إتجاه وأوسعوه ضربا .
قابلته فى السبيعنيات فى جده وقابلته بعد أن عاد وكان يعمل فى الأزهر الشريف وجدته ملتحيا فضحكت وبركاتك يا مولانا فرد
خلاص ياعم سيد اللى جاى مش قد إللى راح ، شكرى هذا إسم غير حقيقى فلو قلت الإسم الحقيقى سيعرفه كل جيلى فلقد كان
لاعبا فى فريق الجمالية فى عهدها الذهبى وكان لاعبا فذا ، رحمه الله فلقد زارنى قبل وفاته بشهور وكان خبر وفاته محركا
لذكريات كثيرة فى المنزلة الثانوية وملاعب الكرة فى الجمالية التى كانت تجمعنا معا فكان مهاجما وأنا مدافعا وكنت له بالمرصاد
فى كل هجماته على مرمى فريق بلدنا الذى كان يضم جيلا ذهبيا .