وا تعليماه ...وا مصيبتاه بقلم:احلام الجندى

وا تعليماه ...وا مصيبتاه بقلم:احلام الجندى

مر الأسبوع الأول من بدء العام الدراسى بمصر وأعد نفسى شاهد عيان على حال
التعليم خلال إحدى وثلاثين عاما عملت بها بالمرحلتين الإعدادية والثانوية
ما بين تدريس وإدارة ونظرة سريعة على ما أعاينه الآن وما كان عليه التعليم
منذ أكثر من خمسة عشر عاما جعلتنى أصيح صيحة والله تفوق صيحة قطز عندما
أراد أن ينبه الأمة ضد خطر المغول الذى أوشك أن يقضى على الإسلام وأهله فى
عقر داره فصرخ صرخته المدوية التى حركت القلوب وأزهقت الرعب والخوف الذى
كان معششا فيها مما سمعته عن بطش المغول وجبروتهم ، وقاموا على قلب رجل
واحد وهزموهم وردوهم خائبين .
ان تعليمنا اليوم فى حاجة الى هذه الصرخة وزيادة فصرخة قطز كانت للتحرك
لموقف – حقا أنه مصيرى - أما التعليم فهو تحرك لمواقف ممتدة تتمثل فى بناء
أجيال تتعرف طريقها ،و تحفظ أمن وطنها ،وتعرف حقها وواجبتها، وتعيد مجد
أمتها وعزها .
فكيف كان التعليم منذ أكثر من خمسة عشر عاما واليوم ، كان أول يوم من
العام الدراسى مهرجان واحتفالية ونشوة وفرحة واستعداد وشوق لنظام انقطع
طوال فترة الأجازة التى تستمر أكثر من أربعة أشهر ، لم يكن الطالب يشغلها
بدروس خصوصية ،أو التزامات قهريه ،ولكن كان يشبع فيها رغباته ما بين قراءات
حرة ،ومشاركات كشفية ،ودورات رياضية .بعيدا عن أى مواد دراسية فإذا ما بدأ
العام الدراسى كان فى شوق الى نظامه ومنافساته وتحفيزاته ومسابقاته
وأنشطته ومناظراته ، وخصوصا أن نظام الإمتحان كان ترما واحدا يحلل الطالب
من الضغوط النفسية المتكررة ويفسح له المجال للمشاركة فى الهوايات المختلفة
،
كما أن الثانوية العامة كانت تتمثل عقدتها فى عام واحد وليس فى عامين كما هو حادث الآن .
وكان معلم المدرسة هو المصدر الوحيد للمعلومة لذلك كان المعلم لا يسمع
همسا ولا لغوا ولا شغبا وكان الطالب حريص على أن يلتزم وألا يتغيب حتى لا
يفوته مالا يستطيع الحصول عليه من مصدر آخر ، وكان التنافس والاعتماد على
النفس وإثبات الذات هو المحرك لهم فى مذاكرتهم ، أذكر ذلك الزمن الذى كان
الطلاب يتتبعون فيه معلميهم اينما ذهبوا داخل المدرسة ليستفسروا عن معلومة
غمضت عليهم أو سؤال شق عليهم إجابته أو ليعرفوا لماذا ذاد عنه زميله بنصف
درجة ، وكان المعلم معلما لا يتبرم ولا يقصر بل يبدى أعجابه وتشجيعه لكل من
يحرص على فعل ذلك - كان معلما حقا -زمن كنا نميز فيه بين الطلبة بأدبهم
واجتهادهم واحترامهم لمعلميهم وآداب وقواعد مدرستهم .
كان الطالب يلتزم بزيه ويحمل كتبه وأدواته ومجهوداته ، ويحترم أوقاته ويشارك فى حفظ النظام والأمن والنظافة داخل المدرسة .
ويحترم معلميه ويوقرهم ليس فقط داخل المدرسة بل إذا قابله فى أى مكان وقف
له احتراما وصافحه وقدم له كل واجبات الإحترام والتبجيل وربما وصل الأمر
الى تقبيل اليد ، وما زال هذا التعامل فى هذا الجيل حتى اليوم فلا تكاد
تركب سيارة حتى تجد من يقف ويجلسك ويظل يشيد بعطائك وفضلك ويذكر مآثرك
وعطاءك .
فكيف أصبح حال التعليم اليوم وما الذى دفعنى الى صرختى وعظم مصيبتى اليكم صورة التعليم اليوم :
منذ أول يوم لم يحضر جميع الطلاب الى المدرسة والذى حضر تسلل منذ الحصص الأولى لماذا لعدة أسباب بعضها يرجع الى نظام التعليم ،
وبعضها يرجع الى المعليم ،
وبعضها يرجع الى الطالب :
فأما الذى يرجع الى نظام التعليم فهو :
عدم وضع قوانين صارمة رادعة تلزم الطالب بضروة الحضور نسبة لا تقل مثلا عن
85 % من عدد أيام العام الدراسى وإن كان هذا القانون موجود فعلا وينص على
أن الطالب الذى يتغيب خمسة عش يوما متصلة أو ثلاثين يوما منفصلة يفصل
وبالفعل يفصل ولكن مالذى يحدث ؟
يكرر الغياب مرة أخرى وقد يتكرر الفصل فعندما يسلك هذا المسلك عدد كبير من
الطلاب وتتكاثر الشكاوى لحرمان أولادهم من إمكانية دخول الإمتحان وضياع
العام الدراسى عليهم يحن المسئولون ويعلنوا الصفح العام ويدخل الإمتحان من
قد لم يحضر يوما واحدا فى العام .
وفى نفس الوقت الذى يسمح فيه النظام بالتسيب يعودون لمحاسبة المدارس لماذا
يتهرب الطلاب وتقل نسبة الحضور؟ وبالتالى يتعرضون للمساءلة والجزاءات ،
فما يكون من المدارس الا أن تقوم بشىء من التزوير حتى ترفع نسبة الحضور
لديها، وخاصة أن المدارس التى لا تتحقق نسبة حضور فيها 65 %لا تحصل على
الجودة .
كما أن نظام المرحلتين فى الثانوية العامة يرهق كيان الأسرة ويعيشها فى توتر عامين بدلا من عام واحد .
وهنا يجب أن نسأل ما الذى جعل الطلاب يستهينون بدور المدرسة ؟
طبعا لن يخفى على عاقل أن هناك بديلا يقوم بدور المدرسة وهو الدروس
الخصوصية التى ينفق عليها الآباء ما يزيد عن 17 مليار جنيه سنويا وفقا لبعض
الإحصاءات والتى تعتمد على تحفيظ المادة للحصول على المجموع العالى بصرف
النظر عن كل النواحى التربوية والسلوكية التى تبنى وتؤسس وتقوم الشخصية
داخل المدرسة لتنتج مواطنا صالحا يتعامل خارج المدرسة .
أما الذى يرجع الى المعلم فهو :
أولا لم يعد المعلم يعد نفسه وارثا للنبوة مسئولا عن بناء الإنسان أو أن
يكون قدوة صالة يحرص على المساهمة فى كل ما يحفظ كيان المدرسة وحق الطالب
فكل همه كيف يثبت أنه معلم كفء فى تلقين المادة والحصول على الدرجات
النهائية ليس داخل المدرسة ولكن فى الدروس الخصوصية لذا يأتى الى المدرسة
منهكا لا يتقن عملا ولايؤدى حقا بل يوحى الى الطلاب بأن لافائدة من تضييع
الوقت داخل المدرسة فى أشياء سبق ودرستموها خلال الإجازة – فهم يحرصون على
أن يبدأوا قبل بدء العام الدراسى بشهرين حتى يقطع الطلاب شوطا كبيرا من
المادة فلا يجد حاجة للمدرسة فى إعادة ما قد حصله وهضمه – وفروا وقتكم
لاستذكار ما يجد عليكم فى دروسكم .
ثانيا : الذى جعل التعليم فى خطر كثرة المهام والمسئوليات والضغوط فلم يعد
هناك تعيين لمعلمين جدد وأصبح نسبة كبيرة من المعلمين بالمرحلة الثانوية
فوق سن الخمسين حتى أنه بعد بضعة أعوام على هذا الحال شتشيخ المدارس بشياخة
المعلمين وبالرغم من هذا السن يتحملون فوق طاقاتهم حسب قانون الكادر ،
أقصى طاقة من الحصص والمساهمة فى الجودة والأعمال الإدارية كيف يتقن صاحب
المهن التعددة صنعته مع كبر سنه وشيخوخته أفيدونى بالله عليكم ،
أما الطالب اليوم فلم يعد لديه الحافز للحضور أو للمشاركة فى الأنشطة أو
حتى الالتزام بالقوانين والقواعد واحترام المعلم وحفظ هيبته.
ا
هناك جوانب كثيرة يمكن أن نبين بها ومن خلالها لماذا تعليمنا فى خطر
ولماذا صرختى وا تعليماه ....وما مصيبتاه لكن نكتفى بهذا القدرحتى لا نطيل
أكثر من ذلك .
وندعوا الله أن يجعل لنا من كل هم مخرجا ومن كل ضيق فرجا وهدى الله ولاة
أمورنا الى إصلاح تعليمنا والحرص على حسن تربية أبناءنا حتى يكونوا مواطنين
صالحين يحفظوا أمن وطنهم ويرتقوا بأمتهم .