تأملات (3) .. بقلم : احلام الجندى

خلق الحق سبحانه الخير وأراده من خلقه وخلق الشر ولم يرده ، ونظرا لأن الضد يظهر حسنه الضد ، فكان لا بد من وجود الخير والشر فى منظومة الحياة حتى يستقبح اهل الخير الشر إذا رأوه على أهله فيستعظموا إتيانه ، ويستحى أهل الشر عندما يستشعرون قبح فعالهم عندما يرون حسن خير اهل الخير فيتمنوا تمثله ، وكأن هذه بديهية لمن هم على غير دين او من تشوشت عقائدهم بأفكار فلسفية ضالة او هوى متبع حتى تكف الضمائر عن التألم والتأنيب ويركنون الى سوء ما يفعلون حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا ويظل هناك نوع من الحفاظ على منظومة العلاقات فى الكون .

أ ما اهل العقائد الراسخة الذين ايقنت عقولهم أن هذا الكون ما كان الا لحكمة وأن وجوده ما كان الا لغاية وهدف وليس عبثا - أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لا ترجعون - ، وأن خالقه يستحق التعظيم لأنه ليس هناك غيره قادر على ان يأتى بمثل خلقه – لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا - وان الجميع اليه راجع وبين يديه واقف وعلى عمله محاسب ، لذا وجبت طاعته وعدم مخالفته ، وأن إتيانهم للشر لا يكون سجية وإنما فى لحظات تكون فيها عقولهم مغيبة فتزهل عن مراقبة الحق فيأتون ما يندمون عليه إذا فاقوا ويكون هذا الندم دافعا لهم للإستمرار على تقديم واجبات الطاعة والمزيد من الإحسان أملا فى أن يعفوا الله عنهم ويصفح عن جرمهم ، وبهذا يظلوا على ولاء كلما تذكروا معصيتهم وتكون هذه المعصية مولدة لكثير من الطاعات ودافعة لما قد يولد الكبر والجفاء إذا ظن ظان أفضليته بمخالفته غيره فى عدم إتيان المعاصى فيظل متصاغرا إمام نفسة مستكينا أمام ربه ممتنعا عن الإتيان بغيرها حتى لا يعظم جرمه ويحرم مغفرة ربه .

وفى مجاهدة النفس والرغبة فى الاستمرار على الخير الذى يريده الله والصبر عليه يقدم الحق سبحانه العون لخلقه مصداقا لقوله " ولينصرن الله من ينصره " اى من ينصر الله بتحقيق مراده من الخير وتجنب مالا يريده من الشر فى نفسه وفى خلقه وفى كونه نصره الله بأن يبلغه ما يتمنى مهما عظم وان كان النفاذ من أقطار السماوات والارض مصداقا لقوله " يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان " >

فما علينا الا تمنى الخير والتمكن من اسباب تحقيقه ولن يخذلنا الحق سبحانه ، وعلى قدر الجد والاجتهاد يكون الدفع والنصر فـ " إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا " .
ويعرف أهل العقائد هذا التأييد من الله سبحانه لذا يلحون عليه بالدعاء ويستمدون قوتهم من طاعته ويحمدونه ويشكرونه على ما ينعم به عليهم من نعم فيزيدهم عطاءً وإكراما " لإن شكرتم لأزيدنكم " >

أما هؤلاء الذين فسدت عقائدهم فينسبون كل تقدم يحرزوه وكل هدف يحققوه الى أنفسهم ناكرين ان الله من انعم عليهم بالعقل وكشف لهم الاسرار ، زاعمين ان لولا علمهم ما حققوه " إنما أوتيته على علم عندى " ورغم ذلك يمهلهم الحق سبحانه ويمدهم بما يشاءون " فكل نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا " .

حتى إذا تمكنوا من كل شئ وبسطوا سيطرتهم على كل شى مع عدم الإقرار بفضل الله وتيسيره لهم سبل ما حققوا و ما أرادوا واغتروا وطغوا وعاسوا فى الأرض فسادا أخذهم أخذ عزيز مقتدر " حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " .

فاجعل اللهم مرادنا وفقا لمرادك ، ومشيئتنا وفقا لمشيئتك ، وأعنا على طاعتك وصدق التوكل عليك ، وحل بيننا وبين معصيتك ، والف بين قلوبنا ، وانصرنا على من ظلمنا ، واهدى ضالينا ، واشرح قلوب خلقك اجمعين لتلقى نور عظمتك والإيمان بوحدانيتك ، والاقرار بربوبيتك .

وخر لنا اللهم حاكما عادلا يراعى حق خلقك ، ويمكن لدينك ، ويرفع قدر أمتنا ويجعلنا خير أمة أخرجت للناس كما أردت لنا .
احلام الجندى
الاربعاء
6/6/2012