يوم إنتحرحذاىئ تحت القطار
( حكاية لن أنساها )
كنت صغيرا لم يتجاوز عمرى العاشرة وأذهب يوميا لمنية النصر الإبتدائية ، لم
يكن ببلدناغير مدرسة إلزامى واحدة فى برمبال القديمة ، المتعلمون فى بلدنا قليلون
والذين أنهوا تعليمهم قبلنا يعدُوا عل اليد الواحدة ، المتعلمات فى بلدنا كن ثلاثة فقط تصوروا !!!
عيال ببناطيل قصيرة نسافر كل يوم لمدرسة منية النصر نركب القطار ونهرب من
الكمسارى فمصروفنا قرش صاغ سفر ومصروف وأكل ، السندوتش بتعريفة ( خمسة
مليمات .. عملة إنقرضت )
كنا نحن العيال الغلابة كثيرى الحركة بحكم السن نقضى الرحلة نتنطط من عربة الى
أخرى وخاصة عندما يقف القطار فى أى محطة ، ولا أخفى عليكم أننا كنا نقوم بالتسطيح
فوق ظهر القطار ونقفز من عربة لأخرى ـ وذات يوم كانت الواقعة يوم وقعت فردة
من حذائ الوحيد تحت القطار ، نزلت طبعا أبحث عنه فوجدته أشلاء يا ولداه ، لم
يكن لدى أحدنا أكثر من حذاء يتيم وأراهن ، ومن كان لديه حذاء إحتياطى حتى
ولو كان كاوتش ماركة باتا يقول لى ، ، لقد دهسها القطار وقسمها نصفين .
ما العمل وكيف أعود لبلدى بفردة واحدة ؟ حكاية لن أنساها .. تخيل جنابك ماذا
تفعل لو كنت مكانى ؟
حاولت جاهد أن ألزقها دون جدوى !! لبست النصف الأمامى ورحت أمثل
أننى إعرج وركبت القطاراللى بعده ونزلت بلدنا ومشيت حتى وصلت لبيتنا فالظلام
كان قد خيًم على الشوارع ، وجلست أفكر ما العمل ؟ شراء حذاء يلزمه السفر
للمنصورة ومعى مرافق ، ومصارحة الوالد بما حدث يحتاج الى معجزة فماذا
أقول له لو جاء يسألنى كيف تم ذلك ؟ ولماذا أنت دون غيرك الذى حدث له ذلك ؟
ألم أقل لك بلاش شقاوة وتسمع منه هذه النصائح التى أظنك قد سمعتها مثلى
ويسمعها كل الأجيال تقريبا مثل الذى كان مكتوبا على الكراريس على أيامنا ..
إغسل يديك قبل الأكل وبعده ، لا تؤجل عمل اليوم الى الغد ، كلنا سيد فى ظل الجمهورية .
هل أقول لوالدى وعلقة تفوت ولا حد يموت ؟ أو أبوح لأمى بما حدث وأترك
لها التصرف ؟ فى هذا الوقت كان ثمن الحذاء خمسون قرشا وهذا مبلغ كبير
جدا فالمصاريف الدراسية طول العام كانت ريال بالتمام والكمال !!
جلست أفكر وأفكر وأشركت محى إبن خالى فى التفكير .. هدانا تفكيرنا أن نؤجر
حذاء قريبنا بدير وكان لا يذهب الى المدرسة وإقتصر تعليمه على الإلزامى ،
ذهبنا نعرض عليه الفكرة فرفض أول الأمر لكنه وافق عندما عرضنا عليه أن
يكون ذلك بالإيجار وإقترحنا عليه قرشان فرفض ثم وافق على أن يكون الإيجار
حتى نهاية العام بخمسة تعريفة .
إستلمت الحذاء من بدير لكنه لم يستلم الإيجار وكان كلما يقابلنى يطالبنى إما الفلوس
أو الحذاء ولأنه قريب ونسيب لمحى فكان يأخذ كلما سمحت الظروف تعريفة ، وإنتهى
العام الدراسى وبعده طبعا يبدأ عام جديد بحذاء جديد .
كلما أنظر فى الجزامة لكم الأحذية مختلفة الألوان والأشكال الكلاسيك والأسبور
المحلى والمستورد والرياضية وغيرها أتذكر يوم إنتحار حذائ الوحيد وتوددى لبدير
أن يسلفنى أو يؤجرنى حذائه وأضحك حتى البكاء على حالنا زمان ، وأشكر الله على
نعمه الكثيرة ، لكنى لا أنسى يوم إنتحار حذائ الوحيد .